مابريس تيفي
في لحظة سياسية كانت تبدو مستقرة ظاهريًا، اختار الأمين العام السابق، اعرشان، أن يُطل من جديد، لا عبر بيانات مكتوبة أو حوارات ناعمة، بل من قلب الميدان، ومن على منابر لقاءات محلية توحي بأنها أبعد من مجرد تواصل اعتيادي.
القراءة السطحية تقول إن الرجل يُمارس حقه السياسي في التعبير، لكن المراقب المتأني يدرك أن ما يجري أبعد من مجرد “خروج إعلامي”، بل هو تحرّك محسوب بإتقان، يعيد رسم حدود النفوذ داخل الحزب، ويختبر جاهزية القواعد للتفاعل مع خطاب بديل.
في المقام الطلبة وسيدي عبد الرزاق، لم تكن كلماته عابرة. “تصحيح المسار” و”الوضوح في الرؤية” و”التحرر من الحسابات الظرفية”، كلها تعابير لا يمكن فصلها عن سياق داخلي مضطرب، تُخفيه القيادة الحالية خلف صمت ثقيل، لكنه لا يخلو من دلالات.
اللافت أن هذا التحرك جاء في توقيت محوري، حيث بدأ العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. فهل هي محاولة للضغط من أجل العودة؟ أم تمهيد لتشكيل قطب موازٍ داخل الحزب؟ أم مجرد رقصة أخيرة لرجل خبر دهاليز التنظيم وعرف متى يُحدث الضجيج؟
الردود داخل الحزب تتراوح بين من يعتبره تصعيدًا شخصيًا، ومن يراه “جرس إنذار” يجب التوقف عنده. أما القيادة، فاختارت سياسة الآذان الصماء، وكأنها تراهن على عامل الوقت لامتصاص الصدمة، أو على تآكل الزخم تدريجيًا.
في السياسة، لا شيء يحدث صدفة. واعرشان، الذي يعرف خريطة الولاءات والخصومات داخل الحزب أكثر من غيره، لا يُغامر بالخروج ما لم يكن يملك ورقة… أو على الأقل، نية كشفها في اللحظة المناسبة.