مابريس تيفي
رغم الخطابات الرسمية التي تتغنى بالتنمية المستدامة والتحول البيئي، يكشف تقرير حديث صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات (MIPA) أن المغرب يواجه أزمة بنيوية في مجال الحكامة البيئية، عنوانها الأبرز: سوء التدبير وتداخل الأدوار وغياب المحاسبة.
التقرير الذي يحمل عنوان “الترافع البيئي في المغرب: التحديات، الاستراتيجيات، والعوائق المؤسساتية”، يرسم صورة مقلقة لوضع البيئة في البلاد، حيث لم تعد التحديات البيئية مجرد مخاوف مستقبلية، بل باتت حقائق يومية تهدد الأمن المائي، والاستقرار الاجتماعي، وحتى السيادة الترابية في بعض الجهات المهمشة.
الماء.. ثروة تهدرها السياسات
من وادي درعة إلى فكيك وزاكورة وطاطا، يواجه المغرب عطشًا متفاقمًا. ومع توالي سنوات الجفاف، بدأت تتعرى هشاشة منظومة تدبير المياه، التي باتت تعتمد أكثر فأكثر على مقاربات تسويقية، كما هو الشأن مع القانون 36.15، الذي يُتهم بتكريس خوصصة الموارد المائية وتهميش حقوق الساكنة المحلية.
في هذا السياق، يوضح التقرير أن اعتماد أنظمة ري تقليدية دون تطوير حقيقي، إلى جانب غياب بدائل مستدامة، يفاقم أزمة الماء ويهدد مستقبل الفلاحة الصغيرة.
بيئة ملوثة ومؤسسات صامتة
في المدن، لا تبدو الصورة أفضل. النفايات الصناعية والصلبة ما تزال تُعالج بطرق بدائية في الغالب، بينما شبكات الصرف الصحي تعاني من اختلالات مزمنة. وهنا تُطرح أسئلة كبيرة حول الأولويات الحقيقية للسياسات العمومية، في ظل غياب استجابة حكومية واضحة لمطالب المجتمع المدني.
تصحر زاحف وهشاشة متزايدة
المغرب يفقد سنويًا مساحات مهمة من أراضيه الزراعية والرعوية. التقرير يشير إلى أن الزحف العمراني، والرعي الجائر، والممارسات الزراعية غير المستدامة، تتسبب في تسارع وتيرة التصحر، لا سيما في مناطق مثل الجنوب الشرقي وسهول الرحامنة وجرسيف، ما يُنذر بعواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة.
منظومة حكامة “بيئية” بلا بوصلة
أكثر ما يثير القلق في خلاصات التقرير هو التأكيد على أن البيئة في المغرب تُدار ضمن منظومة تفتقر إلى التنسيق، وتعاني من المركزية، وتقصي الفاعلين المحليين. فرغم وجود استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة، تبقى المجالس الجهوية والبلدية بلا صلاحيات حقيقية، ومجرد منفذين لقرارات تُطبخ في الرباط.
ويُبرز التقرير أن غياب منصة موحدة للبيانات البيئية يعمق عزلة الفاعلين المدنيين، ويجعل من الترافع البيئي معركة صعبة في ظل نقص الكفاءات التقنية وغياب الشفافية.
ما العمل؟
في ختام التقرير، يقدم المعهد وصفة لإصلاح المنظومة البيئية في المغرب، قائمة على:
- توسيع صلاحيات الجماعات المحلية وتمكينها من الموارد اللازمة.
- تعزيز الشفافية والحق في المعلومة البيئية.
- إدماج المجتمعات المتأثرة في اتخاذ القرار البيئي.
هي توصيات ليست بالجديدة، لكن السؤال الحقيقي هو: هل لدى صناع القرار الإرادة السياسية لتفعيلها؟
ففي بلد تئن بيئته تحت وطأة التلوث، والتصحر، والعطش، يبدو أن التأخر في الإصلاح لم يعد ترفًا، بل مقامرة بمستقبل أجيال.