مابريس تيفي
السبت 26 أبريل 2026
يعتبر الخطاب السياسي في المؤتمرات أداة جوهرية يمارس من خلالها القادة تأثيرهم على الجمهور وتوجيه الرأي العام.
وفي هذا السياق، يبرز خطاب السيد محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، كنموذج مميز يجمع بين الرؤية الاستراتيجية والقدرة على التحليل الدقيق وصياغة الرسائل المؤثرة، خصوصًا في ظل دينامية سياسية متحركة تعرفها الساحة الوطنية، كان آخرها المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية المنعقد اليوم.
لهذا سنحاول تقديم قراءة موجزة لأبرز ملامح خطاب السيد الأمين العام للحزب السنبلة، عبر تحليل أبعاده وتأثيره المحتمل ضمن هذا السياق السياسي المتجدد.
البعد التاريخي:
لفهم خطاب محمد أوزين بصورة معمقة، من الضروري وضعه ضمن الإطار التاريخي لتطور فن الخطاب السياسي، الذي شكل عبر العصور وسيلة محورية لتوجيه الرأي العام.
ومع تطور العلوم السياسية في القرن العشرين، أصبحت دراسة الخطاب السياسي تخصصًا علميًا يرتكز على تحليل الألفاظ واستكشاف آليات التأثير عبر اللغة، وهو ما يظهر جليًا في طريقة تعاطي أوزين مع السياقات الوطنية الراهنة، ومنها التغيرات التي تعرفها بعض الأحزاب.
البعد اللغوي:
تميز خطاب محمد أوزين برصانة لغوية لافتة، ودقة في اختيار المصطلحات، مما يعكس تكوينه الأكاديمي وخبرته السياسية، ما يجعل خطابه يتجاوز الطابع الشعبوي المعتاد، ليقدم رأيه المعمق للوضع السياسي الراهن، بأسلوب يُبرز النضج في معالجة القضايا المالية المعقدة، لا سيما في ظل التحديات المفصلية التي تواجهها معضم الأحزاب المغربية وفي مقدمتها المؤسسة الحركية.
البعد الرمزي:
لم يكن حضور محمد أوزين مقتصرًا على قوة الكلمة، بل شمل أيضًا الرمزية البصرية، إذ جسد ارتداؤه لجلبابه الأسود اختيارًا له دلالة ثقافية وسياسية عميقة، لأن اللون الاسود في الثقافات العالمية رمز للثقة والجدية والثبات.
هذا البعد الرمزي يكتسب أهمية إضافية ولمسة إبداعية وشخصية قيادية في مشهدنا السياسي الذي يدفعنا للبحث عن قادة قادرين على تحقيق البديل الحقيقي في الممارسة السياسية الخلاقة.
البعد الصوتي:
من الناحية الصوتية، برع محمد أوزين في التحكم بنبرة صوته إذ أن توظيفه للأصوات المجهورة القوية عند الحديث عن منجزات حزبه ورؤيته المستقبلية، ولجوءه إلى الخفوت والهمس عند معالجة القضايا الحساسة، جعل هذا التنويع الصوتي يمنح خطابه بعدًا دراميًا مؤثرًا، خاصة في مقارنة مع الخطابات الأخرى التي عرفت بعض الارتباك أو الطابع الانفعالي في بعض المؤتمرات.
بعد المضمون:
أما مضمون خطاب محمد أوزين، فقد تميز بطرحه حلولًا واقعية وعقلانية بدلًا من الاقتصار على تشخيص الإشكالات، حيث دعا إلى تبني استراتيجيات سياسية تشاركية، تقوم على تجاوز الخلافات الداخلية وتحقيق توافقات حقيقية مجسدا روح القواعد والمبادئ الدستورية وثوابت الأمة، وهي رسالة قوية في ظل التصدعات التي برزت في خطابات بعض القادة السياسيين.
نافلة القول، يجسد خطاب محمد أوزين نموذجًا للخطاب السياسي الشبابي الواعي والمتزن، الذي يجمع بين التحليل العميق والقدرة الفعالة على التأثير.
وأعتبره شخصيًا خطابًا يستند إلى أسس قانونية ودستورية متينة، مقدّمًا قراءة واقعية للمشهد السياسي واستشرافًا حكيمًا للمستقبل، في زمن تشتد فيه الحاجة إلى خطابات تبني الثقة بدل أن تزرع الشك والتفكيك.
إنه خطاب يلامس مشاعر النضج والذكاء والهدوء، كدعوة صريحة إلى تجاوز الخلافات وبناء مشروع وطني حقيقي، بعيدًا عن الانفعال والشعبوية، مما يجعله نموذجًا يُحتذى به في تعزيز مصداقية العمل السياسي الوطني.