مابريس تيفي
كل يوم في هذه الحياة يحمل لنا في طياته فرصا متجددة، لكن بعض اللحظات تصنع في أعماقنا حوارا صامتا، يوقظ فينا نعمة التأمل في عمق الأشياء، وفي معانيها السامية ورسائلها الربانية.
وأنا أخطو خطواتي الأولى داخل أروقة معرض الكتاب الدولي بالرباط، شعرت أنني ولجت عالما مختلفا، عالما أتنفسه كما تتنفسه الكتب بالكلمات، ويصير الورق مرآةً للأفكار، وفضاء للخيال، ومسرحًا للإبداع البشري.
هذا المعرض السنوي تحوّل إلى إدماني المتجدد، لا لشيء سوى لأنه يمدّني بالزاد المعرفي الذي أحتاجه في رحلتي الفكرية، والمهنية، والروحية؛ حتى صرت أعشق التنقل بين أروقته باحثًا عن كتب الأدب والحضارة الإسلامية، وعن مؤلفات في التاريخ والفلسفة، وأخرى في القانون والفكر السياسي وأخرى في علم النفس وعلم الاجتماع واخرى في اللغات والتنمية الذاتية وأخرى في…، لا لأملأ مكتبتي فحسب، بل لأُشبع تلك الحاجة العميقة إتجاه الفهم، والتأمل، والنضج الإنساني.
وأنا أبحر في عوالم الكتب صوب الأمل الذي تمنحه لي الحروف، همست لنفسي، ترى لو رزقني الله بذاكرة تحفظ كل هذه العناوين، وهذه الصفحات المفعمة بالعلم والتاريخ والشعر والفكر، لأمِنت سُبل التميز، وربما ضمنت بها مستقبلًا علميًا وإنسانيًا واعدًا، فالمعرفة حين تلامس القلب، تبني العقل، وتعيد تشكيل الإنسان من الداخل.
لكن الغريب في الأمر، أن رحلتي لم تكن مع الكتب فقط، بل مع الوجوه المشرقة بابتسامة العلم، بعض الوجوه اللامعة في سماء الفكر والإبداع، شخصيات تُرشد وتُؤطر، وأخرى تنخرط في تدبير الشأن العام، وأخرى…، هذه الوجه التي تربطني بها ذكريات نبيلة من زمن جميل، في وطن عظيم، بتاريخه، ومؤسساته، وملكيته الضاربة في جذور الحضارة، هذه الذكريات الجميلة التي تسمو فوق المصالح الآنية، وتستحضر فينا بقايا الإنسان والقيم الوطنية الصرفة.
حينها فقط، أدركت أن المعرض، وإن كان مناسبة للعلم والثقافة، فهو أيضًا احتفال بالإنسان والإنسانية، ففي كل لقاء، وسلام، يقابلك أحدهم بمشاعره الصادقة، ويداعب صوته أُذنك بكلمات ليست كالكلمات، ويقابلك بحضن تشعر أنه يحمل لك فيه كل التقدير والحب والاعجاب، وهي مشاعر أُبادله إياها بنفس المحبة والامتنان.
ونافلة القول، إنها لحظات زمنية فارقة، ترفعك إلى عنان السماء، وتجعلك تدرك أن العلاقات الإنسانية العفوية، والنبيلة، قد تكون هي أعظم المعارض، وأجمل المكتبات، وأغلى الكتب، وأصدقُ عناوينِ المعرفة، سعيا للبحث عن سُبل الحفاظ عليها وتطويرها
بحيث أقول أن تقرأ كتابًا جيدًا، هذا أمر عظيم.
[4:26 PM, 20/04/2025] +212 661-484087: ليلى