مابريس تيفي
الخميس 25 ماي 2025
في مشهد غير مألوف على الساحة المهنية والسياسية، اختار وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن يفتتح المؤتمر الوطني 32 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنعقد بطنجة، بخطاب حمل نبرة اعتذارية ومصالحية غير معهودة. بعد شهور من التوتر والخلافات التي بلغت حد القطيعة بين الوزارة والمحامين، بدا الوزير وهو يحاول إعادة رسم العلاقة مع الجسم المهني من جديد، قائلاً: “إذا أخطأت في حقكم يوماً، فأنا أعتذر”.
لكن، هل جاء هذا الاعتذار في وقته المناسب؟ أم أنه خطوة متأخرة تفرضها اعتبارات سياسية وانتخابية أكثر منها قناعة مبدئية؟
من التصعيد إلى التهدئة
تأتي خطوة وهبي بعد أزمة طويلة بين وزارة العدل وهيئات المحامين، وصلت إلى ذروتها مع احتجاجات واسعة ضد مشروع قانون تنظيم المهنة، وما رافقه من فرض إجراءات ضريبية اعتبرها المحامون مجحفة. هذه الاحتجاجات تسببت في شلل جزئي للمحاكم، وأحرجت الوزارة أمام الرأي العام، وأظهرت هشاشة في تدبير الحوار مع أحد أبرز مكونات منظومة العدالة.
لذلك، فاعتذار الوزير يُقرأ من زاوية كونه محاولة لـ”امتصاص الغضب”، أو كخطوة أولى نحو إعادة ترتيب العلاقة، خاصة مع اقتراب استحقاقات مهنية وتنظيمية داخل هيئات المحامين.
خطاب المصالحة.. بأي نوايا؟
ما ميز مداخلة الوزير في طنجة ليس فقط الاعتذار، بل التحول الواضح في نبرته، حيث أشار إلى انتمائه للمهنة قائلاً: “أنا منكم ومن عائلتكم، والمحامي ديمومة والسياسة مرحلة”. وهو تصريح يختلف تمامًا عن خطابات سابقة اتسمت بالصدام والتقليل من مكانة المهنة.
غير أن هذا التحول، رغم صداه الإيجابي، لم يقنع جميع المتابعين. فالكثير من المحامين يرون أن المصالحة الحقيقية لا تُبنى بالكلمات، بل بإجراءات ملموسة تعيد إليهم الثقة، وتضمن احترام استقلاليتهم.
خلفيات سياسية تفرض التحول؟
لا يمكن فصل ما حدث في طنجة عن السياق السياسي الأوسع. فوهبي، الذي يعيش وضعًا دقيقًا كأمين عام سابق لحزب الأصالة والمعاصرة، وعضو في حكومة تواجه انتقادات متعددة، قد يكون بصدد محاولة لترميم صورته داخل الجسم المهني، الذي لطالما شكّل قاعدة نفوذ مهمة لأي فاعل سياسي.
كما أن الانتخابات المقبلة داخل الهيئات، والتحولات التي يعرفها المشهد المهني، تجعل من خطاب المصالحة فرصة لإعادة التموضع، وربما استعادة بعض من الرصيد الذي فقده الوزير في خضم المواجهة مع المحامين.
انتظار ما بعد الخطاب
رغم ما حمله خطاب طنجة من مؤشرات تهدئة، إلا أن مصير المصالحة الحقيقية يظل مرتبطًا بمدى التزام وزارة العدل بإشراك فعلي لهيئات المحامين في إعداد وصياغة النصوص التشريعية، وتعديل النهج الأحادي الذي طبع المرحلة السابقة.
المحامون، بحكم تكوينهم وخبرتهم، يدركون أن الاعتذارات لا تكفي، ما لم تتبعها إجراءات تؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية في الانفتاح، واحترام المهنة كشريك لا كخصم.
خطاب وهبي في طنجة قد يكون بداية لمرحلة جديدة، وقد يبقى مجرد لحظة ظرفية في سياق ضاغط. ما سيحسم الأمر هو مدى ترجمة النوايا إلى أفعال، ومدى استعداد الوزير لتجاوز عقلية الإملاء نحو فضاء الشراكة والتشارك.