مابريس تيفي
في الثالث من ماي، يحتفي العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة. تُلقى الخطب، وتُرفع الشعارات، وتُمنح الجوائز للمدافعين عن الكلمة الحرة. لكن في مكان ليس ببعيد جغرافيًا ولا وجدانيًا، تُدفن حرية الصحافة كل يوم تحت ركام غزة.
وفق معطيات نقابة الصحفيين الفلسطينيين، 210 صحافيًا فلسطينيًا استشهدوا منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، في ما وُصف بأنه “أبشع إبادة إعلامية في التاريخ الحديث”. هذا الرقم لا يمثل فقط خسائر بشرية مروعة، بل يثير سؤالًا مزعجًا: هل الصحافي الفلسطيني خارج معادلة الحماية الدولية التي لطالما دافعت عنها المواثيق الأممية؟
بعيدًا عن لغة الشعارات، يكشف هذا الواقع عن اختبار مزدوج المعايير في التعامل مع حرية الصحافة. فبينما يُنظر إلى مقتل صحافي في دولة غربية على أنه “هجوم على الديمقراطية”، تُقابل استباحة حياة العشرات من الصحافيين الفلسطينيين بصمت رسمي، أو في أحسن الأحوال، بتصريحات شاحبة تحرص على “التوازن”.
لا تقتصر الاستهدافات على الغارات والقصف فقط، بل تمتد إلى حملة اعتقالات طالت 177 صحافيًا، لا يزال 55 منهم رهن الاعتقال. هذا إلى جانب تدمير المنظومات الإعلامية في غزة وتفكيك بيئة العمل الصحافي، ما يهدد ليس فقط الأرواح، بل الحق في المعلومة ومبدأ الشفافية في زمن الحروب.
لكن رغم هذا الواقع الكارثي، فإن ما يلفت الانتباه هو إصرار الصحافيين الفلسطينيين على مواصلة مهنتهم في ظروف توصف بأنها غير إنسانية. وسط انقطاع الكهرباء، وقصف الأبراج، وفقدان الزملاء، يستمر هؤلاء في نقل الصورة وفضح الانتهاكات. ليسوا مجرد شهود على المأساة، بل جزء منها.
من هنا، لا تبدو الدعوة إلى محاسبة المسؤولين عن قتل الصحافيين ترفًا قانونيًا، بل ضرورة أخلاقية وإنسانية. كما أن إعادة الحياة للعمل الصحافي في غزة ليست فقط مسألة إعمار بنيات، بل دفاع عن جوهر حرية التعبير في زمن صار فيه الصمت هو القاعدة.
فلسطين، في يوم حرية الصحافة، لا تطالب بتضامن رمزي، بل بموقف حقيقي يعيد تعريف معنى أن تكون صحافيًا في زمن الحرب، وزمن التواطؤ الصامت.