الحكم الذاتي الحقيقي هو الحل الوحيد و الأوحد لحل النزاع
تظهر بين سطور إحاطة ديمستورا – التي تقدم بها امام مجلس الامن يوم 14 ابريل 2025 – توازنا دبلوماسيا دقيقا، ومحاولة لإعادة إحياء مسار سياسي متعثر منذ 2019 :
أولا:رسائل مبطنة وتوازن محسوب
استحضار لزيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لواشنطن والإشادة ببيان وزير الخارجية الأمريكي حول الحكم الذاتي الحقيقي و الحل المقبول للطرفين يبرز سعي دي ميستورا للاستفادة من الانخراط الأمريكي في دعم طرح مغربي قديم ضمن صيغة جديدة، ويؤشر على تحول في الخطاب الأمريكي من مجرد دعم سياسي إلى محاولة لعب دور الوسيط المؤثر.
إشارته إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر رغم كونها غير مرتبطة مباشرة بملف الصحراء، تقرأ كرسالة ضمنية بأن حل الملف يمر من بوابة التهدئة الإقليمية بين الرباط والجزائر، وأن باريس بدأت تعيد تموضعها في المشهد المغاربي.
ثانيا:ثلاث رسائل أمريكية يراهن عليها دي ميستورا
1-الحكم الذاتي الحقيقي يعيد الكرة إلى ملعب المغرب، ويطلب منا توضيحات جوهرية حول مضمون مشروع الحكم الذاتي، بما يتجاوز الشعار إلى تفاصيل السيادة، وتوزيع الاختصاصات و الصلاحيات، وضمانات التنفيذ.
2-حل مقبول للطرفين
يؤكد على مبدأ التفاوض وليس الفرض، ويعيد التذكير بأن أي حل لا يمكن أن يفرض بالقوة أو من طرف واحد.. و أي حل يجب أن يكون تحت السيادة المغربية .
3-الانخراط الأمريكي المباشر
يعتبر ذلك فرصة نادرة لكسر الجمود، وهو ما يعكس أيضًا إدراك دي ميستورا بأن الأمم المتحدة وحدها لم تعد تملك مفاتيح الضغط، بل تحتاج إلى غطاء دولي قوي.تقوده فرنسا و أمريكا و تزيد من 210دولة تدعم أطروحة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل .
ثالثا:تحذير واضح من خطر التصعيد
أشار بوضوح إلى تدهور العلاقات المغربية-الجزائرية و”الزيادات الكبيرة في التسلح”، ما يعكس تخوّفا أمميا حقيقيا من تحول الملف إلى صراع مفتوح، خصوصا في ظل صمت سياسي إقليمي.. ووجود منظمات ارهابية تنشط في الساحل الأفريقي و تغذي الفكر الارهابي لدى عصابة البوليزاريو .
كما وصف الوضع بـ”الطارئ” وأن هناك “شعورا بالإلحاح” يهدف إلى دفع مجلس الأمن والأطراف للتخلي عن الحسابات الزمنية المؤجلة، والتحرك قبل فوات الأوان.. لان أي تأخر في طي هذا الملف يفتح المجال أمام التنظيمات الارهابية المسلحة لتنشط اكثر بالساحل الافريقي و قد تكون سبب في زعزعت الامن و الاستقرار بشمال افريقيا و جنوب أوربا ايضا.
رابعا:تسليط الضوء على أزمات ميدانية مهملة
أولها معاناة اللاجئين في مخيمات تندوف وخطر نفاد المعونات، أراد دي ميستورا أن يربط الجمود السياسي بأثره الإنساني، وأن يشير إلى مسؤولية الجميع في عدم ترك الوضع يتدهور اجتماعيا واقتصاديا، وليس فقط سياسيا.. مما يؤكد فرضية الاستغلال البشع من طرف الجيش الجزائري لهذه المساعدات الغدائية و توجيهها لجيوبهم بدل توجيهها للمخيمات .
كما دافع ميستورا عن “مينورسو” رغم ضعف أدائها .. مما يعكس قلقا من تفكك أدوات الرصد الميداني، ما قد يفتح الباب لتجاوزات أو حتى لاشتعال الوضع عسكريا دون مراقبة أممية.
خاتمة
نحن نسير حسب إحاطة ديمستورا نحو ضغط ناعم وصبر استراتيجي
فإحاطته تظهر لنا أنه يحاول إعادة ضبط الإطار التفاوضي، دون فرض حلول، ولكن عبر إحياء شروط التفاوض: التهدئة الإقليمية أولا ، الدعم الدولي ثانيا ، وضمانات حقوقية ثالثا .
فرسالته الضمنية تقول : “لا سلام بدون حوار، ولا حوار بدون التزامات واضحة”… لكنه أيضا يدرك أن الوقت لم يعد في صالح أحد. و أن الحكم الذاتي الحقيقي هو الحل الوحيد الذي يمكن الجلوس عليه للتفاوض.